مرحبا بالزوار الأفاضل المحترمين

يسعدني اهتمامكم بالمدونة وأنتظر ملاحظاتكم،،زوروها بإنتظام ستجدون فيها ولاشك بعض ما تهفو إليه نفوسكم، ونحن بدورنا لن ندخر جهدا في تطويرها للرقي بها إلى بعض ما تصبون

lundi 21 mars 2011

ما للنقاب من مقولة

كيف تسلّل هذا الزيّ إلى العائلات التونسية؟ هل الأمر يتعلق فعلا بنصّ ديني ملزم؟ أم لا يعدو الأمر إلاّ أن يكون تغوّلا ذكوريّا ؟ أسئلة عديدة تثيرها ظاهرة التنقّب التي تُنهض عبر حضورها الخلافي مشغل الصراع الدائم بين الديني والاجتماعي، يحاول فيه دعاة الدين دوما القفز على الواقع والسقوط في قبضة تصوّرات موهومة تتخذ الدين لبوسا، إذن ليس الدين في الحقيقة إلاّ ما يراه دعاته وفق تأويلات سياقية يحكمها المرجع ضرورة . ويحضرني في هذا السياق قول لعلي بن أبي طالب حينما لامه الخوارج على التأويل والتحكيم فقال : القرآن خط مسطور بين دفّتين لا ينطق إنما ينطق به الرّجال. إنّ هذا القول وحده يجعل مسألة التأويل أكثر أهمية من النصّ نفسه ، إذ لا حياة للنص إلاّ به، ولمّا كان الأمر على هذه الشاكلة فهمنا أنّ التوقف عند حرفية النصّ والتشدّد في فهم مدلولاته ليس إلاّ ملمحا متعلّقا بشخص المؤوّل وحده وليس بالنصّ.
لقد أردت أن أبسط موضوع النقاب من داخل التصوّر الديني نفسه لنتبيّن سويّا أنّ الأمر لا يتعلّق بفروض دينية تتنزّل في دائرة الأحكام بقدرما يعبّر عن تصوّر المؤوّل وذائقته ولمّا كان اللّباس أكثر الرموز البشرية تلوّنا وتبدّلا فهمنا أن ّسلطان التأويل أكبر من أن يُضاهى وأنّه لا يمكن الحديث عن قداسة الأثواب في عالم مزدان بالمتغيّرات ، فالرسول محمّد نفسه لم يكن بوسعه إلاّ أن يلبس لباس زمانه وبيئته والذين يريدون اليوم استعادة الثوب المحمّدي المزعوم عبر إرسال أللحي وحلق الشوارب ولبس الجلابيب إنّما يفعلون ذلك تجنّيا على الإسلام المحمّدي نفسه ورغبة مجنونة في تأبيد لحظة آفلة في الماضي السحيق. وإن كانت المسألة المتعلّقة باللباس الذكوري ليست بذي بال ولم تزرع إشكالا مجتمعيّا فإنّ اللباس الأنثوي أحدث صخبا في المجتمع التونسي وخاصة ما تعلّق بالنّقاب ، إذ يصرّ السلفيون ومن تعاطف معهم من التيّارات الدينية على أنّ النّقاب ثوب ملزم للمرأة بمقتضى النصّ قرآنا وحديثا وهو أمر غير صحيح تماما وسنثبت ذلك في النقاط التالية :
أولاها أنّ النصّ القرآني لم يذكر مسألة النّقاب أو غطاء الرأس بنصّ صريح وأنّ ما يستند إليه السلفيون في ذلك هو الآية 31 من سورة النور وخاصة المقطع التالي(وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ) ، وأبسط شرح لهذا المقطع القرآني يكشف أنّ الأمر لا يتعلّق بالنّقاب بل بالجيوب، والجيب في اللغة يتعلّق أساسا بالصدر ومطلع الرأس من الثوب، ورد في لسان العرب التعريف التالي:"جَيَّبْتُ القَمِيصَ تَجْييباً عَمِلْتُ له جَيْباً وفلانٌ ناصحُ الجَيْبِ يُعْنَى بذلك قَلْبُه وصَدْرُه" وشقّ الجيب في المأتم يعني تمزيق الثوب من جهة الصدر وقد نهى الإسلام عن ذلك ، المقصود إذن ممّا تقدّم ليس الرأس والشعر وإنّما الجيب الذي يشمل المسافة الجامعة بين رقبة المرأة وصدرها، يعني أنّ النصّ القرآني طالب المؤمنات بستر صدورهنّ العارية علما وأنّ من عادة النّساء في مكّة والمدينة هو الجيب الرحب الذي يُظهر مفاتن صدر المرأة، وليس في آيات القرآن ما يشير من قريب أو بعيد إلى ستر الشعر أو الرأس .
ثانيها عدم تعرّض الأحاديث النبوية الصحيح منها وحتّى الضعيف إلى مسألة النّقاب ناهيك عن الإشكال الكبير الذي يعترض الباحث في تناوله الحديث لقيام قسم كبير منه على الوضع والخلط والغلط ولجوء المذاهب إلى الوضع في الحديث للمنافحة عن المذهب وكسب النصير ممّا يضعف ضرورة حجّية الحديث بل إنّ ما ذُكر في الصحاح يحتاج هو أيضا إلى نظر وتقليب ودعا الكثير من التيولوجيين والمشتغلين على الخطاب الديني إلى عدم الاستناد إلى الأحاديث النبوية لتشعّب صور الوضع فيها والتلفيق .
ثالثها غياب هذا الزيّ عند أقرب النساء إلى النّبي وأعني ابنته فاطمة وزوجته عائشة ولا نقف في كتب المؤرخين على ما يثبت حضور النّقاب وإنما يخبرنا المؤرّخون أنّهما- فاطمة وعائشة- كانتا جريئتين تُلقيان الخطب على النّاس ويجري وصفهما عندهم كوصف النبي لعائشة حينما نعتها بالحميراء ،ونحن نعلم أنّ إباحة الوصف يعني إباحة الصورة تماما ولو قصد النبي ستر زوجه لما ذكر وصفها .
رابعها منطقي فمن غير المعقول أن يدعو الإسلام إلى التنقّب وهو يدّعي تكريمه للإنسان. إنّ اعتبار المرأة عورة أمر يتعارض تماما مع غاية الخلق إذ ما الفائدة من خلق المرأة إذا كان من الواجب سترها حدّ الإعتماء ، وهل تبدو المرأة كائنا فاعلا وإنسانيا وهي ظلّ لا يمنحه التوصيف الصفة البشرية أصلا.
إنّ القضية ليست دينية في شيء وإنّما هي من ابتداع عقل ذكوري حكمته عقدة أوديب، تمنح الذكر كلّ الحرية بينما تسجن المرأة في رداء من السواد الكامل المذلّ والمهين لذاتها أشدّ أنواع الإهانة والاحتقار، إنّ الأولى بالتحجيب في هذا السياق هو الذكر إذن أليس هو السبب الأصلي لتحجيب المرأة التي لا ذنب لها في المسألة ، وإذا كان الذكر وفق منطق السلفيين كائنا شهوانيا تتملّكه الغريزة بشكل يفقد فيه بشريّته فلا يقاوم غريزته وهو ينظر إلى شعر امرأة ، إنّ ذكرا مثل هذا هو الأولى بالقيد وليس المرأة .
لقد كان التنقّب دعوة وهّابية بغيضة ومتخلّفة رفضها علماء دين المالكية في تونس قبل مائتي سنة، ومن المؤسف أن نرى هذه الظاهرة تدخل إلى الشارع التونسي من نوافذ قنوات وهابية مسمومة تريد تدمير تماسك المجتمع التونسي بإدخال ظواهر بدائية و غريبة عنه وتريد الرجوع بالبلاد إلى أزمنة سحيقة وبائسة. لقد ناشد التونسيون في انتفاضتهم في ال14 من جانفي الحريّة والكرامة لا أن يكرّسوا عبودية أقسى ومهانة أشدّ. لقد بات مطروحا اليوم على كلّ التونسيين التصدّي لمظاهر التخلّف ومقاومة الإذلال والجهل والمهانة التي تريد قلّة من عديمي العقل والتعليم أن تصيّره سمة من سمات المجتمع التونسي، إذ لم يكن التنقّب يوما من ثقافة التونسي ولا مطمحه، وإنما هو يناسب ولا شكّ دعاة الظلامية والإرهاب الذين تناسبهم الظلمة ويكرهون ضوء الشمس وبريق الحقيقة فإختاروا أن يكفّنوا نساءهم بأكفان السواد انتصارا لذكورية ساديّة بائسة تذكّر بإنسان الكهوف.
(مع الاعتذار للبيروني لتشابه العنوان مع كتابه" ما للهند من مقولة")

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire