مرحبا بالزوار الأفاضل المحترمين

يسعدني اهتمامكم بالمدونة وأنتظر ملاحظاتكم،،زوروها بإنتظام ستجدون فيها ولاشك بعض ما تهفو إليه نفوسكم، ونحن بدورنا لن ندخر جهدا في تطويرها للرقي بها إلى بعض ما تصبون

mardi 15 mars 2011

هل كان نظامنا التعليمي ناجعا؟



منذ العام 1957 اتخذ النظام الشمولي البورقيبي وجهة تعليمية جديدة غيّرت المشهد التربوي التونسي تغييرا كلّيا حينما وقع الاستغناء عن  التعليم الزيتوني  واستبداله بالتعليم المدني , ونهض محمود المسعدي بالمشروع البورقيبي على أكمل وجه عبر تأسيس تعليم حداثي حقيقي . لقد عمل بورقيبة على انشاء مجتمع حداثي ومدني يقطع مع ثقافة التطرّف والإرهاب واللاإنسانية عبر محاربة التعصّبين القبلي والديني و مظاهر التفكير الغنوصي, غير أنّ النظام البورقيبي ذاك رغم جراءته وقدرته التنظيمية والتأثيرية الهائلة لم يُفلح حقيقة في تأسيس ثقافة مدنية قوية وثابتة, لذلك كان من السهل على تلك الثقافة الناشئة ارتدادها إلى حقب كارثية خاصة بعد انهيار المنظومة التربوية منذ العام 1990  مع الانتشار السريع للتطرّف الوهابي  إثر الأزمات الإقتصادية والقيمية التي عصفت بالعالم بعيد الحادي عشر من سبتمبر2001  مع ما استرفده من قوة اعلامية تجلت في القنوات التلفزيونية الكثيرة التي تبث سموما مبطّنة بالتديّن والتقوى الكاذبين. إنّ الفراغ التعليمي وضعف الكفاءة لخريجي الجامعات خصوصا في العشريتين الأخيرتين صيّر الأجيال الجديدة من طلاّب العلم فريسة سهلة للتطرّف , وانتشرت فئة من الشباب تحيا خارج دوائر المعقول وصارت بفعل العمى التربوي كائنات خرافية مستذئبة لا تريد إلاّ الفتك بالمجتمع , ولا تحمل في جعبتها سوى مشاريع ظلامية مدمّرة.
لقد فشلت منظومتنا التعليمية في حماية المجتمع من الفكر السلفي مثلا باعتباره أفضل مثال على الانحطاط الاجتماعي , ومردّ ذلك أنّ قيم المدنية التي يُفترض بالتعليم أن يؤسسها في المجتمع لم تصر ثقافة بعد, ذلك أنّ تحوّل التعليمي إلى ثقافي يستوجب أصلا ثورة ثقافية شاملة تمتد حقبا,
لقد كشفت انتفاضة 14 جانفي أنّ المجتمع التونسي لا يزال بعيدا عن  المدنية, قد يبدو هذا الكلام جارحا ولكنه الحقيقة, فغياب القانوني والأخلاقي عن ذهن التونسي أميّا كان أم أكاديميا والميل الجارف إلى العنف ورفض الآخر وتكفيره وهدر دمه, كلها مسائل تجعل من الصعب بناء مجتمع مدني حقيقي, وتظل المنظومة التعليمية المسؤول الأول عن الإنتشار المريع للامعقول واللاإنساني , إذ انكفأ التعليم منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي إلى حدود الإسترجاع وانحسرت ثقافة النقد والسؤال في البرامج التعليمية, وتعمّقت فجوة بغيضة بين ما يُراد وما يُرى.
ولم يقف فشل النظام التعليمي عند حدود العجز عن التصدي للمشاريع الرجعية البائسة وإنما عجز كذلك عن تطوير المشاريع التي تدّعي التقدّمية فمعظم التيّارات اليسارية التونسية فقدت قدرتها على التحيين والتجاوز والمتأمل في الواقع اليساري التونسي يلحظ دون شك تخلفه عن التجارب اليسارية في كثير من بلدان العالم أقلّه ما يحدث في أمريكا اللاتينية.
إنّ المجتمع المدني المنشود والذي تدعو إلى مأسسته قوى كثيرة في هذه البلاد لا يمكنه بأي حال أن يكون دون نظام تعليمي قوّي وفعّال يملك القدرة والنجاعة على حماية الوطن من العابثين بمصائر الناس والداعين إلى مجتمع الموت لا مجتمع الحياة, ولا يكون ذلك في اعتقادي إلا عبر استشارة واسعة ينهض المثقّفون والتقدّميون فيها بالدور الحاسم وليظل العقل في تعريفه الهيغلي أساسا لبناء تلك المنظومة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire